سدايا .. والدور الملهم

    14 سبتمبر 2024

تعتبر سدايا أيقونة الحراك التقني السعودي الذي بدأ بإلهام الأمير محمد بن سلمان، وتُرجم بجهود وأدوار النخب والقيادات وأصحاب القرار، وهُيكل بالكيانات الجديدة والبرامج الاستراتيجية، وسيتوج بإذن الله تعالى بتطوير القدرات البشرية، وتسخير كل الموارد والإمكانات لأبناء وبنات الوطن؛ لتحقيق ريادة وتميز في مجال التقنيات الحديثة.


في عام ٢٠١٢ كتبت مؤلفًا بعنوان الوعي بالأفكار، ماذا بعد تويتر وفيسبوك؟! وكان عبارة عن "قراءة في تاريخ ومستقبل شبكات التواصل الاجتماعي" قراءة مشاغبة نوعا ما، تعتمد على تنبيه الوعي المستهلك لهذه التقنيات، والحث على الفضول المعرفي، وإثارة التساؤل.


واليوم أجد فرصة مواتيةً للحديث عن عدد من القضايا التي تهم الكيانات والقيادات والمؤثرين في هذا السياق، ومنها:


الدعوة لنقد الواقع واستشراف المتوقع بطرائق ومنهجيات علم المستقبليات، والخيال العلمي، ورؤى التغيير الإيجابي، والنقد الموضوعي، والسؤال الفضولي، وبكل أداة ممكنة، فالحراك الذهني أساس للحراك العملي التنفيذي.


والحث على السبق المعرفي، بالمشاركة في التنافس الحضاري والتدافع الدولي، واستعير الإشارة إلى قيمة هذا السبق من الحديث الشريف "منى مناخ من سبق"؛ فسبقك في أي شيء يجعل المتأخر عنك لاحقًا، وتاليًا، وتابعًا لك، ويجعلك أنت اللاحق والتالي والتابع لو كنت مسبوقاً.


ولن يكون هناك سبقٌ أو مشاركة إلا بالحضور الملهم على المسرح الدولي والأفق العالمي والفضاء الرقمي.


الحضور الذي يكسبك مزايا عدة، كالمشاركة في القيادة، والاستحواذ، والاستثمار، والتسويق، والهيمنة.


القيادة مرتبطة بالحضور الفاعل، الذي يهيئ فرص حيوية للاتصال بين العلوم الإنسانية والطبيعية وعلوم الآلة الذكية، ويفتح مجالات نافعة ومؤثرة للتواصل مع مختلف العقول والطاقات وأصحاب المصلحة.


والاستحواذ في هذا السياق هو قدرة تنافسية ليس على دخول السوق، ولا كسب حصةٍ فيه، ولا أعادة تشكيله فقط، بل والقدرة على صناعة أسواقٍ جديدة.


والاستثمار هو أن يكون لديك شيء من معاقد الاستثمار وليس فرصه فحسب! لسبب مدرك وهو أن الموارد - فكرية، بشرية، مالية، تقنية، إبداعية - تذهب لمن لديه القدرة على احتضانها واستثمارها، وفتح آفاق ملهمة لها، ومعترفةٍ بها.


والتسويق ليس للسلع فقط! لأن هذا هو أدنى درجات التسويق، لكن المقصود هو تسويق الدولة، الهوية، الثقافة، والقيم والأخلاقيات، وهذه أعظم بكثير من الفهم الساذج للتسويق.


والهيمنة، لها تمثلٌ سلبي في التاريخ القديم والمعاصر، لكن فرص المشاركة في خريطة الهيمنة المسؤولة ممكنة بأسبابها، وهي ذروة هذا الحضور الملهم.


ولو سألتني ما القضايا التي لازالت مهمة للوعي وملهمة للعمل، لقلت هي نفسها القضايا التي كانت قبل أربع عشرة سنة، لكنها اليوم تبدو لي ماثلةً - محلياً - في أيقونة سدايا، وفي القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، وهي:


أولاً: الإنسان: فهو أهم شيء في الأرض، بل هو كنز الأرض، ومحط رسالات السماء، وفقه "الإنسان"، ومعرفة خلقه وفطرته وميوله والقوانين التي تحكمه، هو ضابط التنمية الصحيحة والمستدامة في كل مجال.


السعودية تنادي بالذكاء الاصطناعي المسؤول، وتدفع باتجاه التشريعات الأخلاقية للحفاظ على القيم الإنسانية، وتتبني الأنسنة في كل مشاريعها المدنية، بما تملك من تراث حضاري عربي وإسلامي، ومركز عالمي، وموقع استراتيجي، وإمكانات ضخمة.


ثانيا: الزمكان: نعم، هذا مصطلح مرتبط بنسبية آينشتاين، ولكن الذي أعنيه هنا: أن فلسفة الزمان والمكان وما فيهما من أبعاد، وما يسيطر عليهما من سنن وأنظمة كونية، مهمة للتنبؤ بالأحداث المحتملة والمتوقعة مستقبلاً، وإن أي قراءة للمستقبل لا تنطلق من رؤية محكمة وحكيمة لما ستكون عليه البشرية والحياة والأرض لن تستطيع تقديم شيء ولن تصنع شيئاً ذا بال.


ينبغي أن نستلهم رشدنا، ونرجع للكتاب المهيمن، والنبي الخاتم، وتاريخ الأنبياء، ومنجزات الفلسفة والعلوم، وإرث الحضارات الراشدة، ونقرأها قراءة واعية، لا لنستجر صراعات الماضي، ولا لنفقه نوازل الأقدمين، ولا لنغرق في إصدار الأحكام على الأفكار والأشخاص والأشياء المعاصرة باجتهاد من لم يعاصرها! بل لنترجم هداية السماء في عوالم عصرنا، ولننطلق من الموروث الإنساني الصافي، ومن النتاج الحضاري النافع، لنحيا سعداء، ولنكون رحمة للعالمين، سيما في هذا الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن سيناريوهات محتملة لمستقبل الذكاء الاصطناعي، والتي من ضمنها سيناريو سيطرة الذكاء الفائق، وقهره للإنسان، والذهاب إلى خراب العالم!


ثالثاً: البيانات: لا تزال البيانات والمعلومات هي مفتاح صندوقك وصناديق الآخرين، وليست الغاية في الحصول عليها واكتنازها، بل استثمارها في إعادة القراءة المستقبلية والتموضع على خارطة التأثير.


رابعاً: الأفكار: لابد من العناية بها في بيئتنا المحلية والعربية، ويبدو أن هذا الأمر لو أنيط سابقاً بالمؤسسات الحكومية لأصبح برستيجاً ممقوتاً، ولو ترك للقطاع الخاص لكان استثماراً وقوتاً. لكن المتغير اليوم في السعودية هو أن توجه القيادات غير قواعد اللعبة ليس المحلية، بل العالمية!


السعودية اليوم مرشحة لأن تكون مركز الذكاء الاصطناعي المسؤول، وبيت خبرة مرموق لحوكمة الذكاء الاصطناعي، وهي اليوم من يتواصل مع كل العالم، ويحفز الأفراد والشركات والكيانات على إحراز التقدم نحو مستقبل أكثر إنسانية وأمناً وابتكاراَ.


رابعاً: التواصل: بطبيعة الحال لا يمكن إنجاز شيء اليوم إلا بالاتصال بين العلوم، والتواصل بين الفهوم!


الاتصال بين العلوم ليس فقط فيما يسمى بالدراسات البينية، بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية، بل بين كل العلوم الإنسانية والطبيعية وعلوم الآلة الذكية.


والتواصل بين الفهوم للعقول المؤثرة كالباحثين، والمبتكرين، والمطورين، والمستثمرين، والكيانات البحثية، والمنظمات الدولية، ليس في البلد الواحد وإنما على مستوى العالم، وهذا ما تصنعه سدايا في القمة العالمية للذكاء الاصطناعي.


الحكومة السعودية حكومة رقمية، والسعوديون أخلاقيون بالفطرة، والمجتمع السعودي مجتمع معياري لقرابة ملياري مسلم حول العالم، والحراك الذي تشهده المملكة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي حراك متسارع ومتفرد، وحريٌ بالنخب والمجتمع اللحاق بهذا الدور التنافسي العالمي، والاجتهاد في تجديد الأعمال، وإعادة صياغة المفاهيم، وإصلاح الأطر والهياكل، والدفع بها من النمط المحلي المحدود، للنمذجة العالمية المواكبة لهذا الحضور الملهم.



خالد العماري

جميع الحقوق محفوظة ©