الوجود الذكي للأسرة السعودية

    19 سبتمبر 2024

اليوم الأسرة السعودية لها وجود آخر غير الوجود المعهود! وتفسير ذلك أننا لو نظرنا لوجود الكيانات الاجتماعية عموما ومنها الأسرة بطريقة تحليلية لقلنا بأن لكل منها ثلاثة مظاهر للوجود: المادي، الافتراضي، والأخلاقي.


هذا مدرك ومعروف، لكن لازال الكثير ممن يقدمون الخدمات المعرفية والاجتماعية والدعم والتوجيه الأسري يتعامل مع الأسرة في مظهر أو اثنين من مظاهر وجودها، بينما الواقع يقول بأنه مالم نتعامل مع هذه المظاهر الثلاث المتكاملة فلن نستطيع الظفر بمستوى الوعي باحتياجات الأسرة الحقيقية والاقتراب من تحدياتها.


تغليب النظر المادي سينتج أسر استهلاكية متعلقة بالأشياء والسلع.


وتغليب النظر الافتراضي سينتج أسر افتراضية معزولة عن الواقع.


وتغليب النظر الأخلاقي سينتج أسر بأفكار مثالية تتعثر في مثاليتها.


هذا الأمر ينطبق على الأسر في كل العالم، إلا في الدول المتقدمة رقمياً والسعودية منها!


الأسرة السعودية اليوم لها وجود جديد يمكن تسميته "الوجود الذكي" وهو ليس مظهر رابع لوجود الأسرة، بل مزيج متشابك متداخل متمازج من الأبعاد الثلاثة.


وهذا الوجود هو الإرهاص الممهد لعصر المدن الذكية، وتعاون الإنسان والآلة، والتوأمة الرقمية وغيرها.


ولا غرابة فالحكومة السعودية حكومة رقمية بامتياز، ولديها كيانات وإمكانات للمشاركة والنهوض بكل التقنيات الحديثة، وتستثمر وتدعم الشركات التقنية الناشئة، وتتبوأ مكان الصدارة في الأمن السيبراني والبيانات الضخمة وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وأثر هذا واضح على بقية القطاعات، وعلى الأسر والأفراد.


وعموما هذه إشارة سريعة لتطبيع العلاقة بالتقنيات الحديثة الذي يحدث بشكل متنامي على أرض السعودية، لنعيد النظر في الأسرة، ونطور تعريفها، ونجدد التعامل معها:


التطبيقات البنكية والمالية: الأسرة السعودية اليوم لا تحتاج زيارة البنك لفتح حساب ولا للإيداع والتحويل، بل هناك تطبيقات مالية أكثر من ذلك سواء للادخار أو الاستثمار أو لإدارة ميزانية الأسرة ومصروفاتها.


التجارة الإلكترونية: متاجر سلة وزد، وتطبيقات المطاعم والهدايا والمسكرات والبهارات والتمور والخضراوات واللحوم والذبائح، والأسر المنتجة، والملابس والأزياء والعطور وغيرها كثير.


تطبيقات التوصيل: توصيل الأفراد، والأطعمة، والبضائع، والوثائق الرسمية، والهدايا، والطلاب، والمرأة، وذوي الإعاقة .. تطبيقات الصحة الأسرية: ليس فقط لحجز المواعيد والاستشارات، بل والكشف والتشخيص والعلاج والمتابعة لصحة المريض وصرف الدواء والشراء من الصيدليات.


منصات الترفيه والألعاب: تقضي الأسر ساعات وأوقات على منصات الفيديو وألعاب البلايستيشن وتشكل هذه المنصات روتين يومي للكثير منها.


الذكاء الاصطناعي: وأدواته وتطبيقاته التي انتشرت في مجالات عدة، كالمساعد الشخصي سيري وأليكسا، أو النماذج اللغوية وتطبيقاتها في البحوث وتوليد محتوى النصوص والصور والفيديوهات وبعض البرمجيات، وكذلك تقنيات التعرف على الوجه والصوت وغيرها.


الواقع الافتراضي والواقع المعزز: التي ظهرت في مجالات عدة كالألعاب والتعليم، والثقافة، والمعارض، والمؤتمرات. الحوسبة السحابية: كثير من الجهات تخزن البيانات وتعالجها على منصات خاصة بها أو منصات عالمية مثل أوراكل، وأمازون، ومنصات قوقل ، ومايكروسوفت.


البيوت الذكية: وفرة الأجهزة الذكية والوصول للإنترنت واقع معاش اليوم، وأيضاً بدء عمليات التحكم في الأضواء والأصوات وبعض الأجهزة والتحكم في الطاقة والأمان كلها تمهد لتطبيقات انترنت الأشياء. وهناك الكثير من التطبيقات والأدوات التي تزيد ولا تكاد تنقص، ويصبح الاعتماد عليها عادة شخصية وعرفا مجتمعيا.


هذه الأسرة السعودية اليوم، ولا شك بأن هذا امتياز كبير على بقية المجتمعات، لكنه في المقابل يستدعي النهوض بالوعي الفردي والمؤسساتي لما قد يصاحب هذه الوجود من تحدي أمني وأخلاقي واقتصادي.


خالد العماري

جميع الحقوق محفوظة ©